للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تدفعهم إلى البحث الدقيق في علوم السياسة، وتظاهرت لديهم الأسباب التي تعدهم للتعمق فيها، وأقل تلك الأسباب أنهم مع ذكائهم الفطري، ونشاطهم العلمي، كانوا مولعين بما عند اليونان من فلسفة وعلم، وقد كانت كتب اليونان التي انكبوا على ترجمتها ودرسها كافية في أن تغريهم بعلم السياسة، وتحببه إليهم".

قام المؤلف ليذكر لنا سبباً شأنه أن يغري المسلمين بالسياسة، ويجعلهم مولعين بالخوض في غمارها، والتفت يميناً وشمالاً، فوقع اختياره على انكبابهم على ترجمة الفلسفة والعلوم اليونانية ودراستها، ولم يهتد إلى أن لدى المسلمين سببين عظيمين يحثانهم على النظر في السياسة، ويؤكدان حرصهم على البراعة في صناعتها:

أحدهما: أنهم كانوا أمة فاتحة، بلغت في عزها وسطوتها أن قوضت عروش قوم جبارين، ومدت سلطانها العادل على شعوب مختلفة في طبائعها وعاداتها وطرق تفكيرها، والفاتح الغيور على استقلال بلاده أشد حاجة، وأسرع يداً إلى إتقان فن السياسة من مرتاح البال للبقاء تحت سلطة دولة أخرى.

ثانيهما: أن الإسلام شرع للسياسة أصولاً في أحسن مثال، وحارب الاستبداد باليمين والشمال، فأذاق أمته طعم الحكومة اللينة الحازمة، وشب في أحضانه رجال شهد بدهائهم السياسي أعداؤهم المنصفون.

هذان السببان ندبا المسلمين إلى النظر في مبادئ السياسة وأصول الحكم، فانتدبوا إليها، وكانوا أساتذة العالم في السياسة؛ كما كانوا أساتذته في العلوم الفلسفية، فهما أحق بأن يخطرا على قلب المؤلف، ولكنه يكره