أن يعترف بأن في تعليم الإسلام مبادئ سياسية، أو أن حكومة من حكومات الإسلام أذاقت الناس طعم السياسة الرشيدة.
قال المؤلف في (ص ٢٣): "وهناك سبب آخر: ذلك أن مقام الخلافة الإسلامية كان منذ الخليفة الأول أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - إلى يومنا هذا عرضة للخارجين عليه، المنكرين له، ولا يكاد التاريخ الإسلامي يعرف خليفة إلا عليه خارج". ثم قال في (ص ٢٤): "مثل هذه الحركة -حركة المعارضة- كان من شأنها أن تدفع القائمين بها إلى البحث في الحكم، وتحليل مصادره ومذاهبه، ودرس الحكومات وكل ما يتصل بها، ونقد الخلافة وما تقوم عليه، إلى آخر ما تتكون منه علوم سياسية، لا جرم أن العرب قد كانوا أحق بهذا العلم، وأولى من يواليه".
لم يعارض طائفة من المسلمين الخلافة في نفسها، أو كونها ذات حكومة يرأسها فرد، حتى تدعوهم المعارضة إلى درس الحكومات؛ ليختاروا منها الشكل الذي يروقهم، وإنما ينكر المعارضون شيئاً من تصرف الخليفة، أو يدعون أن غيره أحق بالإمارة وأقوم عليها، وهذا يقتضي البحث في طرق العدل وشروط الخليفة، وحكم الخروج عليه، وقد بحث أهل العلم في هذه المطالب بأوفى عبارة، وأبسط بيان، حرروا الكلام في الأصول الفارقة بين عادل الأحكام وجائرها، وأفاضوا القول في شروط الأمراء وموجبات خلعهم، ومتى بحثوا في الحكم من حيث انطباقه على مبادئ العدالة، أو انحرافه عنها، فإنهم لا يعرفون قانوناً لعدالة الأحكام أو جورها غير موافقتها لأصول الشريعة، أو نشوزها عنها، فمن هذا الوجه كان المعارضون يبحثون في الحكم، وينقدون سيرة الخلفاء مقتدين بقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ