وقال:"إن الدول العامة في أولها يصعب على النفوس الانقياد لها إلا بقوة قوية من الغلب ... فإذا استقرت الرياسة في أهل النصاب المخصوص بالملك في الدولة، وتوارثوه واحد بعد آخر في أعقاب كثيرين، ودول متعاقبة، نسيت النفوس شأن الأولية".
أخذ المؤلف ما قرره ابن خلدون في سنّة قيام الملك، وأجراه على مشروع الخلافة.
فقال في (ص ٢٥): "لا نشك مطلقاً في أن الغلبة كانت دائماً عماد الخلافة، ولا يذكر لنا التاريخ خليفة إلا اقترن في أذهاننا بتلك الرهبة المسلحة التي تحوطه، والقوة القاهرة التي تظله، والسيوف المصلتة التي تذود عنه، ولولا أن نرتكب شططاً في القول، لعرضنا على القارئ سلسلة الخلافة إلى وقتنا هذا؛ ليرى على كل حلقة من حلقاتها طابع القهر والغلبة".
تناول المؤلف ما قرره ابن خلدون، وشمط القول في تعليله من أن الملك لا يحصل إلا بالتغلب، وأخذ يضرب به قوله: إن الخلافة راجعة إلى اختيار أهل الحل والعقد.
لا شك أن الفيلسوف ابن خلدون لا يرى تعارضاً بين مقالتيه؛ لأنه يفرق بين الخلافة والملك، وإن شئت تحقيق هذا البحث على وجه شرعي اجتماعي، فإليك التحقيق:
عرف الإسلام أن في الناس طبيعة التعصب للقومية، وأن هذه الطبيعة كثيراً ما تطغى، فتحمل صاحبها على التحيز لأخيه في القومية، والوقوف في صف أنصاره، وإن كان مبطلاً.
عرف الإسلام ذلك، فقرر مبادئ الأخوة والمساواة، وأتى بما يهذب