تلك الطبيعة، ويقيم أودها؛ حتى لا تخف بالقبيلة إلى معاضدة أخيها إذا نهض لإرغام حق، أو إقامة منكر.
قد يأذن الإسلام للرجل أن يؤثر بمعروفه أو مساعدته ابن عشيرته، أما عند تدبير مصلحة عامة، أو تقرير حقوق مشتركة، فيقطع النظر عن كل صلة، ولا يقيم لأي عاطفة وزنا، إلا ما تقتضيه المصلحة، وتشير به القوانين العادلة، والآراء الراجحة، ولمثل هذا وكَّل تعيين الخلافة إلى اختيار أهل الحل والعقد، وجعل المسلمين في هذا الحق عصبة واحدة.
ليس من المتعذر على المسلمين أن يسيروا على هذه الخطة، إذا لم يكن في ذي العصبية القوية من الكفاية ما يتحقق في غيره من ذوي العصبيات الواهنة، ومن المحتوم عليهم أن يختاروا ما فيه المقدرة الكافية، ويكونوا حوله قوة تنهزم أمامها كل عصبية قومية.
فإن كان ذو العصبية التي هي أشد وأقوى، كافياً لهذا المنصب، فللمسلمين أن يعدوا ما يحوزه من هذه القوة الطبيعية ميزة يرجح بها على غيره المماثل له في سائر شروط الخلافة، وهذا ما بنى عليه ابن خلدون فهمه لحديث:"الأئمة من قريش"، ورأى أن نسب القرشية في الحديث إنما يرمي إلى ما يحقق شرط الكفاية والقدرة على القيام بأعباء الخلافة، وهو قوة الحامية، وقد اختصت قريش لذلك العهد من بين سائر القبائل بقوة العصبية، وشدة المراس، وذكر أن من القائلين بنفي اشتراط القرشي في الخلافة القاضي أبا بكر الباقلاني (١)؛ حيث أدرك ما آلت إليه عصبية قريش من التلاشي
(١) محمد بن الطيب بن محمد (٣٣٨ - ٤٠٣ هـ = ٩٥٠ - ١٠١٣ م) قاض ولد في البصرة، وتوفي ببغداد.