بعض الخلفاء، وأخذوا أنفسهم بشريعة الشورى، وفتحوا باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وجه الأمة بصدق وإخلاص، وكان بين يدي الأمة أعدل قانون أساسي، وهو كتاب الله، وأصدق بيان يفصل مجمله، وهو سنّة رسول الله، فلا الخليفة يستبد فتأخذه العزّة بالإثم، ولا الأمة ترهب سطوته فتحجم عن أمره ونهيه.
قال الإمام الغزالي: الخلفاء - رضي الله عنهم - يحبون الردّ عليهم، ولو كانوا على المنابر، فقد قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يخطب: أيها الناس! من رأى منكم فيّ اعوجاجاً، فليقوّمه. فقام له رجل وقال: والله! لو رأينا فيك اعوجاجاً، لقوّمناه بسيوفنا. فقال: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوِّم اعوجاج عمر بسيفه.
وليس في الشريعة ما يمنع الخليفة أن يفوّض جانباً من شؤون الأمة إلى وزير ذي علم ورأي وشجاعة وعدل، فيمنحه ما كان له من تدبير وتنفيذ.
قال الماوردي في "الأحكام السلطانية"(١) عند البحث عن وزارة التفويض: "هي أن يستوزر الإمام من يفوِّض إليه تدبير الأمور برأيه، وإمضائها على اجتهاده، وليس يمتنع جواز هذه الوزارة، قال الله تعالى حكاية عن نبيه موسى - عليه السلام -: {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (٢٩) هَارُونَ أَخِي (٣٠) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (٣١) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي} [طه: ٢٩ - ٣٢]، فإذا جاز ذلك في النبوة، كان في الإمامة أجوز، ولأن ما وكِّل إلى الإمام من تدبير الأمة لا يقدر على مباشرة جميعه إلا باستنابة، ونيابة الوزير المشارك له في التدبير أصح في تنفيذ الأمور من تفرّده بها.