للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخترع المؤلف هذه الصورة المكروهة، ويجعلها النوع من الحكومة الذي يسميه الفقهاء خلافة. ثم يقول متبرئاً منها: فليس بنا من حاجة إلى تلك الخلافة لأمور ديننا، ولا لأمور دنيانا، وإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة وينبوع شر وفساد.

الخلافة حقيقة شرعية، وأمر لا غنى للمسلمين عنه، ما داموا يطمحون إلى عزّ مكين، وحياة مستقلة، وقد تسنى فيما سلف أن تكون الشعوب الإسلامية كلها تحت راية واحدة كحالها لعهد الدولة الأموية، ثم انقسمت إلى دولتين مستقلتين أيام ذهب عبد الرحمن الداخل (١) إلى الأندلس، وأقام دولة أموية أخذت لقب الخلافة إزاء الخلافة العباسية بالمشرق، فكان لدولة الإسلام في العهد الأول، ولدولتيه في العهد الثاني من القوة والسطوة، ما قطع مطامع الدول القوية أن تبسط يدها على قيد شبر من بلاد الشرق، ولما تقطعت أوصال الخلافة بالأندلس كما قال شاعرهم:

قام بكلِّ بقعةٍ مَليكُ ... وصاحَ فوق كلِّ غصنٍ ديكُ

اغتنم العدو ذلك التقاطع فرصة، وأخذ ينقص البلاد من أطرافها، حتى استنجد ملوك الطوائف بسلطان مراكش يوسف بن تاشفين (٢)، وباتفاقهم معه تحقق شيء من المعنى الذي يراد من الخلافة، فهاجم العدو، وردّه


(١) عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان (١١٣ - ١٧٢ هـ = ٧٣١ - ٧٨٨ م) الملقب بصقر قريش، ومؤسس الدولة الأموية في الأندلس، ولد في دمشق، وتوفي بقرطبة، ودفن في قصرها.
(٢) يوسف بن تاشفين الصنهاجي (٤١٠ - ٥٠٠ هـ = ١٠١٩ - ١١٠٦ م) سلطان المغرب الأقصى، وباني مدينة مراكش ولد في صحراء المغرب وتوفي بمراكش.