ولما تضعضعت دولة المرابطين بمراكش، وشغلوا بحروبهم مع الموحدين، اضطربت عليهم الأندلس، ورجعت دولتها إلى افتراق، فبسط العدو إليها يده انتهازاً لفرصة التفرق، حتى أصبح صاحب دولة مراكش عبد المؤمن بن علي الذي يقول فيه الشاعر:
ماهزَّ عطفيه بين البِيض والأَسَلِ ... مثلُ الخليفة عبدِ المؤمن بنِ علي
فأجاز إلى الأندلس، وأخذ يحارب العدو، وجرى على أثره ابنه يوسف، ثم ابنه يعقوب، حتى حفظوا من عزّ الإسلام ما أضاعه تفرق البلاد تحت رايات شتى، ولم تسقط الأندلس إلا حين فقدت الوحدة السياسية، ولم يكن بالقرب منها دولة ذات قوة وعزم تنقذها من ذلك الخطر المحيط.
ولو أن المتأخرين من سلاطين آل عثمان أعطوا للخلافة شيئاً من حقوقها، وراعوا ما أمر الله به من وسائل استقامتها، لما انفرط عقد هذه الممالك الإسلامية، وأصبح كل قطعة منها تحت سلطة أجنبية، تستبد عليها في حكمها، وتتصرف في رقاب شعوبها وأموالهم كيف تشاء. فالخلافة لا تريد على ما يسمّى دولة، إلا أنها رابطة سياسية تجعل شعوباً مختلفي العناصر والقومية يولّون وجوههم شطر رايتها بعاطفة من أنفسهم واختيار. ومن هذه الجهة ينظر إليها بغاة الاستعمار بعين عابسة، ويحاول الغِرُّ الذي ينخدع ببهرج آرائهم أن يطوي رايتها، ويمحو آثرها.
وأما قوله:"وإنما كانت الخلافة ولم تزل نكبة على الإسلام والمسلمين، وينبوع شر وفساد"، فكلمة هو قائلها، والتاريخ من ورائه محيط.