للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لماذا خلع المؤلف من قلمه لجام الإنصاف، وجحد ما للخلافة من مآثر حميدة، وحاول أن يحثو عليها من كلمات هجائه ما يخفيها على أعين أبنائنا النجباء؟

ذلك ما ندع جوابه لقارئ كتاب "الإسلام وأصول الحكم"، بعد أن يسير غوره، ويشهد الروح الذي يموج في جسم ذلك الكتاب من رأسه إلى عقبه.

قال المؤلف في (ص ٣٦): "منذ منتصف القرن الثالث الهجري، أخذت الخلافة الإسلامية تنقص من أطرافها، حتى لم تعد تتجاوز ما بين لابتي دائرة ضيقة حول بغداد". ومن بعد أن حكى كيف صار أكثر ممالكها إلى ملوك الطوائف، قال: "حصل ذلك، فما كان الدين أيامئذٍ في بغداد مقر الخلافة خيراً منه في غيرها من البلاد التي انسلخت عن الخلافة، ولا كانت شعائرها أظهر، ولا كان شأنه أكبر، ولا كانت الدنيا في بغداد أحسن، ولا شأن الرعية أصلح".

ما كان للمؤلف أن يتنازل إلى هذا الدرك الأسفل من المغالطة؛ إذ لم يدَّع أحد قط صلاح شأن الرعية، وصيانةَ شعائر الدين مربوطان باسم الخلافة، وأن لقب الخليفة كالرقية النافعة يذهب به كل بأس، أو الدعوة المستجابة ينزل عندها كل خير، والذي نعلمه، ويعلمه أشباه العامة من المسلمين: أن الخلافة لا تريك آثارها، وتمنحك ثمارها من منعة وعزّة وعدالة، إلا إذا سارت على سنّة العزم في الأمور، والحكمة في السياسة.