روايته، ولو ذكر هذا الوجه، لنقلوه، وتلقوه إما بمناقشة، وإما بتسليم.
سادساً: على فرض أن العسكري أو الغساني نفى ولاية معاذ القضاء بصراحة، فإن الرواية التي تشهد بهذه الولاية حجة على المنكر، إلا أن يأتي بدليل مسموع أو معقول يطعن في شهادتها.
ومما لا نزاع فيه بيننا وبين المؤلف: أن ولاية معاذ كانت مساوية لولاية أبي موسى الأشعري، فيصح لنا الاستشهاد بأن ولايتهما كانت تتناول الحكم بحديث البخاري المتضمن: أن معاذاً زار أبا موسى الأشعري، ووجد عنده رجلاً موثقاً، فسأله عنه، فقال له: إنه كان مسلماً، ثم ارتد، فقال معاذ: لأضربنّ عنقه. وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري": "إن أبا موسى الأشعري مفوض إليه الحكم، ولو كان فوض الحكم لغيره، لم يحتج -يعني: النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى توصيته بما وصاه به".
قال المصنف في (ص ٤٥): "ذلك بأننا وجدنا عند البحث في نظام القضاء في عصر النبوة: أن غير القضاء أيضاً من أعمال الحكومات، ووظائفها الأساسية لم يكن في أيام الرسالة موجوداً على وجه واضح لا لبس فيه، حتى يستطيع باحث منصف أن يذهب إلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعين في البلاد التي فتحها الله له ولاة مثلاً لإدارة شؤونها، وتدبير أحوالها، وضبط الأمر فيها. وما يروى من ذلك، فكله عبارة عن توليته أميراً على الجيش، أو عاملاً على المال، أو إماماً للصلاة، أو معلماً للقرآن، أو داعياً إلى كلمة الإسلام. ولم يكن شيء من ذلك مطرداً، وإنما كان يحصل لوقت محدود، كما ترى فيمن كان يستعملهم - صلى الله عليه وسلم - على البعوث والسرايا، أو يستخلفهم على المدينة إذا خرج للغزو".