و {بَشِيرًا}: من البشارة، وهي الخبر السار الصادق الذي لا علم للمخبر به من قبل. و {وَنَذِيرًا}: من النذارة، وهي الإعلام بالشيء، والتحذير منه، والمعنى: إنا أرسلناك بالدين الحق؛ لتبشر من أطاع بالنعيم المقيم، وتنذر من عصى بالعذاب المهين.
وقدم وصف التبشير على وصف الإنذار؛ لأن التبشير أقرب إلى طبيعة الدعوة المحمدية من الإنذار؛ ذلك أن مع الرسول - صلوات الله عليه - حججاً قاطعة، شأنها أن تأخذ بالقلوب، فلا تحتاج إلى الإنذار، وإنما تحتاج إلى التبشير؛ لزيادة اطمئنانها، وإذا لم يُجب أقوام دعوته، فقد جاؤوا على خلاف ما تقتضيه حال الدعوة المحمدية من الإنذار؛ ذلك أن مع الرسول - صلوات الله عليه - حججاً، وأخذت من النفوس المأخذ الذي يناسب قوة دلائلها، أما الإنذار، فإنما يحتاج إليه في حال يقف فيه دون الدعوة جهل غليظ، أو عناد شديد.
ثم إن التبشير أقرب إلى القصد من الرسالة؛ لأنه يتعلق بما هو رحمة، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أرسل رحمة للعالمين، وأما الإنذار، فيتعلق بما هو عذاب، والعذاب غير مقصود من الرسالة، إنما يقع جزاء لمن استكبر عنها، ولم تبلغ منه قصدها.
واقتصار الآية على وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبشارة والنذارة لا ينفي أن يكون من مقاصد رسالته التي يسأل عنها أحكام المعاملات والجنايات التي قررتها شريعته الغراء؛ لأن شدة حزنه على أولئك الطوائف المصرين على كفرهم، هو حال من يعتقد أنه مسؤول عن عدم إيمانهم، فاقتضى هذا الحال أن يذكر بأن واجبه إنما هو القيام بالوسائل الموصلة إلى الإيمان، والباعثة على