للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رجال يلبسون في الشتاء سواداً، وفي الصيف بياضاً (١)، ويعد كلمتنا مثلاً من أساطير الأولين، أو شهادة خطرت في موقف الدفاع عن أحكام سيد المرسلين، كلا، إن هي إلا حقيقة تسعدها الأدلة البينة، والتاريخ من ورائها شهيد.

بقيت راية الإسلام مرفوعة على المدينة المنورة وما حولها نحو سبع سنين؛ إذ كان من المحتم على كل من يعتنق الإسلام من القبائل أن يهاجر إلى المدينة المنورة، ولا يقيم بين قوم لا يؤمنون، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفال: ٧٢]. والحكمة من تلك الهجرة: أن يتقوى بهم جانب الدين، وليخلصوا من البيئة المتعفنة؛ فإنها تذهب بالغيرة على الحق، وتلبس الوجوه رقعة الصفاقة، وربما سرى وباؤها إلى النفوس الضعيفة، فزلزل عقائدها، وأطفأ نور إيمانها.

وفي السنة الثامنة من الهجرة فتحت مكة المكرمة، وأصبح الناس يدخلون في دين الله أفواجاً وقبائلَ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عندئذٍ: "لا هجرة بعد الفتح". وولّى على جميع البلاد والقبائل أمراء، وبثّ فيهم معلمين للقرآن وأحكام الشريعة. وتوفي في السنة العاشرة للهجرة بعد أن فتحت مكة، وتجاوز حكم الإسلام المدينة المنورة إلى مكة والطائف واليمن وما داناها من البلاد.

إذاً ننظر إلى حال المدينة المنورة مدة عشر سنين، وإلى حال غيرها من البلاد المدة التي أصبحت تحت حكم الاسلام لعهد النبوة، وهي السنتان.

هاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة المنورة، وهاجر لهجرته أصحابه الأكرمون،


(١) من المعروف أن رجال الشرطة في مصر يرتدون اللباس الأسود شتاء، واللباس الأبيض صيفاً.