للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانعقد بين المهاجرين والأنصار إخاء صادق، واتحاد متين، وكانت قلوبهم تفيض بتعاطف وتراحم بلغا حد الإيثار عن النفس، حتى قال الله تعالى في حق الأنصار: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩].

إيمان راسخ، وأدب متين، هما أثر ما كانوا يشهدونه من دلائل النبوة، ويتلقونه من حكمة بالغة، وموعظة حسنة، وشأن الذين بلغوا في التعاطف إلى حد الإيثار على النفس أن تكون الحقوق بينهم محترمة، وشأن القوم الذين يبصرون نور النبوة صباحاً ومساءً، أن لا ترى لهم عيناً تطمح إلى هتك عرض، ولا يداً تمتد إلى الاعتداء على مال، ولا فماً ينطق بكلمة قذع أو فحشاء.

وكان الذين يتقلدون الإسلام ديناً، يضعون أيديهم في يد رسول الله - عليه السلام -، ويبايعونه "على أن لا يشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصوا في معروف" (١). وقال عبادة بن الصامت: "بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم أو نقول بالحق حيثما كنّا، ولا نخاف في الله لومة لائم (٢) ". ومن حديث جابر: "بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاشترط عليَّ النصحَ لكل مسلم" (٣).

ومن عرف أن هذه المبايعة من قبيل تأكيد العهد، ودرى كيف كان


(١) "صحيح البخاري" (ج ٩ ص ٨٠).
(٢) "صحيح البخاري" (ج ٩ ص ٧٧).
(٣) "منه".