العرب يحترمون ما يؤخذ عليهم من ميثاق، أدرك ما لها من أثر في اتقاء المحارم، والكفّ عن كثير من المخالفات التي لا يتحاماها بعض أسارى الشهوات إلا إذا كانوا بمرأى من شرطي لا يمالئ على باطل، ولا يلوث يده بارتشاء.
يُحتاج إلى الشرطي في قرية تفتح فيها حانات لتجرّع المسكرات، وبيوت يتجر فيها بنات الهوى بأعراضهن، ونواد يستباح بها لعب الميسر، ولكن المدينة المنورة، وكل بلاد فتحت لعهد النبوة، كانت طاهرة من حانات الخمور، نقية من بيوت الدعارة، سالمة من نوادي الميسر، خالصة من كل ما يثير العداوة والبغضاء.
وللإيمان الصادق زاجر لا يعصى، وسلطان لا يرشى، وهو الذي يجعل الرجل خصيماً للمنكر، حليفاً للحق، وكذلك كان الناس في عهد النبوة، فكل مسلم بمنزلة شرطي أمين، يحاسب نفسه، ويغير المنكر بيده أو لسانه، ويجيب إلى التقاضي بين يدي رسول الله، أو أحد خلفائه، ويقيم الشهادة بالقسط، ولو على أبيه أو زوجه أو بنيه.
كان في خلال الأمة المسلمة نفر من المنافقين، ولكنهم كانوا يصوغون مظاهرهم في أسلوب المؤمنين، ولمهارتهم في صناعة النفاق، قال الله تعالى يصفهم لنبيه الكريم - عليه السلام -: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ}[التوبة: ١٠١]. ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاعه كانوا يقيمون الحدود والزواجر بعزم تبيت له النفوس الكريمة مطمئنة، وترتعد له القلوب القاسية رهبة، ومتى علم المنافق أنه ملاحظ بأعين شُرَط لا يغيبون عن مشهد، وتيقن أنه مُساق إلى محكمة لا تأخذها في