الحق لومة لائم، انصرف عن أهوائه خشية، وانكف عن الشر رياء وتصنعاً.
فغلبة التقوى والتراحم بين الأمة، واعتقادُ كل واحد منها أنه مسؤول عما يشهد من إثم أو عدوان، واجراء الحدود والزواجر بعزم لا يعرف هوادة، كل ذلك مما امتاز به عهد النبوة، وجعل الناظر في التاريخ بقلب سليم يشعر بأن الناس لذلك العهد ليسوا في حاجة إلى أن يقوم على رؤوسهم رجال يقال لهم: الزبانية، أو البوليس.
وقد أوجسنا خيفة بعد هذا أن ينظر المؤلف إلى كل ما يتصل بالحكومات الغربية أو الشرقية من نظام أو إدارة، ويتخذ عدم وجوده في عهد النبوة حجة على أن ليس هناك حكومة ونظام، حتى خشينا أن يسوق على هذا الغرض آيات بينات، وهي أنه لم يكن في عهد النبوة مجالس مختلطة، ولا صندوق دين عمومي، ولا أقلام تشفي غليل الإباحية بما تأذن به من تعاطي ما يدنس الأعراض، أو يفتك بالألباب.
قال المؤلف في (ص ٤٥): "ومما يستأنس به في الموضوع: أننا لاحظنا أن عامة المؤلفين من رواة الأخبار يعنون -في الغالب- إذا ترجموا لخليفة من الخلفاء، أو ملك من الملوك، بذكر عماله من ولاة وقواد وقضاة إلخ، ويفردون له بحثاً خاصاً، يدل على أنهم عرفوا تماماً قيمة ذلك البحث من الجهة العلمية، فصرفوا من الجهد فيه والعناية به ما يناسبه، ولكنهم في تاريخ النبي - صلى الله عليه وسلم - إن عالجوا ذلك البحث، رأيتهم يزجون الحديث فيه مبعثراً غير متسق، ويخوضون غمار ذلك البحث على نسق لا يماثل طريقتهم في بحث بقية العصور".
أنكر المؤلف أن يكون لعهد النبوة حكومة ذات نظام، واستأنس لهذا؛