بأن رواة الأخبار إذا ترجموا لملك أو خليفة، يفردون لولايته وقضاته بحثاً خاصاً، وإذا عالجوا مثل هذا البحث في تاريخ النبي - صلى الله عليه وسلم -، زَجُّوا الحديث مبعثراً غير متسق، ولا ندري كيف يتم له هذا الاستئناس، وما يدعيه من أنهم يزجّون الحديث مبعثراً، فقصارى ما يؤخذ منه: أنهم لم يجيدوا صنع التأليف في السيرة النبوية؛ إذ لم ينسجوا على المنوال الذي نسج عليه المؤرخون في تراجم الخلفاء والملوك، فإن قصد إلى أن عدم تنسيقها على الوجه المذكور يدل على عدم صحتها، قلنا: هذه دلالة خفيت على المناطقة حين قسموا الدلالة إلى: مطابقة، وتضمن، والتزام.
المؤلفون في سنّة الرسول - عليه السلام - وأحواله: محدّثون، وأصحاب سير، ومؤرخون.
أما المحدّثون، فعنايتهم مصروفة إلى البحث عن أقوال الرسول - عليه السلام -، وأفعاله، وتقريره، وغايتهم الأولى: رواية الأحاديث التي يمكن أن يستمد منها أحكام شرعية، أو آداب نفسية، وهؤلاء إنما يذكرون اسم قائد، أو وال، أو قاض إذا جاء في رواية تتعلق بشيء من أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أفعاله، أو تقريره.
وأما أصحاب السير، فإنهم يبحثون عن أحوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يوم ولادته إلى يوم انتقاله إلى الرفيق الأعلى، ويرتبون مؤلفاتهم ترتيباً طبيعياً، فيبتدئون بالحديث عن ولادته - عليه السلام -، ويتابعون البحث بمقدار ما وصل إليه علمهم، حتى أتوا على أيام قيامه بدعوة الرسالة، ثم هجرته إلى المدينة المنورة، ثم غزواته وسراياه، والوفود التي قدمت عليه، والرسل الذين وجههم إلى الملوك، ذلك كله مرتباً على حسب الأيام والسنين، ويذكرون