فذلك لا يكون في سبيل الدعوة إلى الدين، وإبلاغ رسالته إلى العالمين، وما يكون لنا أن نفهم إلا أنه يكون في سبيل الملك، ولتكوين الحكومة الإسلامية، ولا تقوم حكومة إلا على السيف، وبحكم القهر والغلبة، فذلك عندهم هو سر الجهاد النبوي ومعناه".
من مقاصد الإسلام الأساسية: أن تكون لأهله دولة ليس لمخالف عليها من سبيل، ولم يكن المقتضى لإقامة هذه الدولة ما يخطر على طلاب الملك من التباهي بالرياسة، والتمتع بملاذ هذه الحياة، وإنما يقصد الإسلام من تأسيس الدولة الإسلامية أمرين:
أحدهما: إجراء أحكامه العادلة، ونظمِه الكافلة بسعادة الحياة؛ إذ لا يقوم عليها بحق إلا من آمن بحكمتها، وأشرب قلبه الغيرة على تنفيذها.
ثانيهما: الاحتفاظ بكرامة أوليائه، وإعزاز جانبهم؛ حتى لا يعيشوا تحت سلطة مخالف يدوس حقوقهم، ويرفع أبناء قومه أو ملته عليهم درجات.
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أقام الحكومة الإسلامية لهذين المقصدين اللذين يتجليان في كثير من الآيات؛ كقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}[النساء: ٥٩]، وقوله:{وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ}[التوبة: ٨].
ولقد أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - حكومة رفعها المسلمون على رؤوسهم، وتلقوا تشريعها وتنفيذها بقلوبهم، والقوة والرهبة إنما كان يعدّها لمن يبدؤونه بالقتال، أو يبيتون المكيدة لأخذه على غرّة، أو يقفون في سبيل دعوته، ولم يجاهد في سبيل الملك قط، وإنما كان يجاهد لإذن الله في سبيل الله.
وقول المؤلف: "فذلك عندهم هو سر الجهاد النبوي ومعناه" إنما هو