قال المؤلف في (ص ٥٥): "فأما أن المملكة النبوية عمل منفصل عن دعوة الإسلام، وخارج عن حدود الرسالة، فذلك رأي لا نعرف في مذاهب المسلمين ما يشكله، ولا نذكر في كلامهم ما يدل عليه، وهو على ذلك رأي صالح لأن يذهب إليه، ولا نرى القول به يكون كفراً ولا إلحاداً".
كان المؤلف يرجو أن يجد في مذاهب المسلمين القول بأن المملكة النبوية عمل منفصل عن دعوة الإسلام، وخارج عن حدود الرسالة، ولكنه لم يعرف ما يشاكل ذلك، ولا يذكر في كلامهم ما يدل عليه، وأراد أن يجعل لهذا الرأي المنشق عن الآراء الإسلامية مكاناً في النظر، فشهد له بالصلاح لأن يكون مذهباً، وأذن للإيمان بأن يلتقي معه في نفس واحدة.
سبق للمؤلف آنفاً أن ذكر في الشؤون الملكية: الجهاد، والزكاة، والجزية، والغنائم، وساق الكلام فيها على أسلوب يخيل إلى القارئ أنها لم تجئ عن طريق الوحي، وإذ صرف قلمه عن آيات الجهاد، وآيات الزكاة والغنائم، بدا له أن المجال فسيح، وطفق يشهد للآراء المطوية على الكيد للإسلام باللياقة لأن تكون مذهباً.
تصرُّف النبي - صلى الله عليه وسلم - في مثل الجهاد والزكاة والجزية والغنائم يستند إلى صريح القرآن، فلا مفر لمنكره من الوقوع في حمأ الإلحاد. ولا أراني في حاجة إلى نقل شيء من نصوص الراسخين في علم الشريعة وفتواهم؛ بأن من أنكر حقيقة معلومة من الدين بالضرورة، فقد انقلب على عقبه مدبراً عن الإسلام، ولا يحق له بعد ذلك الإنكار أن يتأثّم من المسلمين إذا طرحوه من حساب أولياء دينهم الحنيف.