إذاً، كل عمل يقوم الدليل على أن الرسول - عليه السلام - فعله عن وحي، فهو داخل في وظيفته. ولا ريب في أن التدبير المالي الذي ذكره المؤلف كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوم به بأوامر إلهية؛ مثل قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة: ١٠٣]، وقوله:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ...}[التوبة: ٦٠]. وهل -بعد هذا- ينشرح صدر مسلم لأن يقول: إن تدبير النبي - عليه السلام - لأموال الزكاة والجزية وخمس الغنيمة بعيد عن عمل الرسل من حيث إنهم رسل؟!.
قال المؤلف في (ص ٥٥): "إذا ترجح عند بعض الناظرين اعتبار تلك الأمثلة، واطمأن إلى الحكم بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان رسولاً وملكاً، فسوف يعترضه بحث آخر جدير بالتفكير. فهل كان تأسيسه - صلى الله عليه وسلم - للمملكة الإسلامية، وتصرفه في ذلك الجانب شيئاً خارجاً عن حدود رسالته - صلى الله عليه وسلم -، أم كان جزءاً مما بعثه الله له، وأوحى به إليه؟!.
نفث المؤلف كلمة الارتياب في أن للنبي - عليه الصلاة والسلام - رياسة سياسية، وأفتى بأن إنكار ذلك لا يمس جوهر الدين، فصادمته أعمال من السيرة النبوية لا تصدر إلا ممن قبض على زمام السياسة، فأخذ يقلل من شأنها، ويسميها: "بعض ما يشبه أن يكون من مظاهر الحكومة".
ثم خشي أن لا يجد الارتياب إلى قلوب بعض القارئين منفذاً، فيخرجوا بضمائر طاهرة، فسولت له نفسه أن يهمس في آذان الذين اطمأنوا إلى الحكم بأنه - صلى الله عليه وسلم - كان رسولاً ملكاً، ويفتنهم من ناحية أخرى، وهي: أن تأسيس النبي - صلى الله عليه وسلم - للمملكة الإسلامية، وتصرفه في ذلك الجانب، هل كان خارجاً