ثم قال في (ص ٥٦): "ومن البين أن ذلك الرأي لا يمكن تعقله، إلا إذا ثبت أن من عمل الرسالة أن يقوم الرسول -بعد تبليغ الدعوة- بتنفيذها على وجه عملي؛ أي: أن الرسول يكون مبلّغاً ومنفذاً. غير أن الذين بحثوا في معنى الرسالة، ووقفنا على مباحثهم، أغفلوا دائماً أن يعتبروا التنفيذ جزءاً من حقيقة الرسالة، إلا ابن خلدون، فقد جاء في كلامه ما يشير إلى أن الإسلام دون غيره من الملل الأخرى قد اختص بأنه جمع بين الدعوة الدينية، وتنفيذها بالفعل".
يدع المؤلف دلائل الشريعة، ونصوص العلماء القائمة على أن التنفيذ جزء من وظيفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويلقي قلمه في مهابِّ الشبه تخفق به من أمام إلى وراء، ومن اليمين إلى الشمال، يريد أن يتخذ من بحث أهل العلم في معنى الرسالة دليلاً على أن التنفيذ غير داخل في وظيفة سيدنا محمد - عليه الصلاة والسلام -، وقد حام على غير هدى، وتشبث بأوهى من عهد دولة استعمارية!
إن الذين يبحثون عن الحقائق العامة، إنما يشرحونها بالمعنى الذي تشترك فيه جميع أفرادها، وليس عليهم أن يتعرضوا لما يتصل بها من مقتضيات، أو ينضم إلى بعض أفرادها من مميزات، فإذا قالوا:"الرسول إنسان بعثه الله إلى الخلق لتبليغ الأحكام"(١)، فإنما أرادوا تحديد المعنى الذي يتحقق به مفهوم الرسالة، وهذا لا يمنع أن يكون في الرسل - عليهم السلام - من أوحي إليه بتنفيذ ما أمر بتبليغه، فيكون التنفيذ داخلاً في وظيفته،