العقل، ولا يريد حصره في دائرة ضيقة، فهل من العقل أو من الصواب أن يقول قائل: لماذا لم يتحدث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى رعيته في نظام الملك، وفي قواعد الشورى؟
إن هذا السؤال لا يصدر من سليم الطوية، إلا إذا فاته أن يدنو من روح التشريع، ولم يكن من أصول الدين على بينة، فإن الشريعة ترشد إلى المصالح، وتأمر بالقيام بها، ثم تترك وسائل إقامتها على الوجه المطلوب إلى اجتهادات العقول.
قال أبو إسحاق الشاطبي في كتاب "الموافقات": "كل دليل شرعي ثبت في الكتاب مطلقاً غير مقيد، ولم يجعل له قانون ولا ضابط مخصوص، فهو راجع إلى معنى معقول وُكِل إلى نظر المكلف، وهذا القسم أكثر ما تجده في الأمور العادية التي هي معقولة المعنى ... وكل دليل ثبت فيه مقيداً غير مطلق، وجعل له قانون وضابط، فهو راجع إلى معنى تعبدي، لا يهتدي إليه نظر المكلف لو وُكِل إلى نظره؛ إذ العبادات لا مجال للعقول في أصلها، فضلاً عن كيفياتها".
ولنضرب المثل لهذه السنّة الشرعية بقاعدة الشورى نفسها: فالإسلام أرشد إلى الشورى بقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى: ٣٨]، وقصد إلى إقامتها على وجه ينفي الاستبداد، ويجعل الحكام لا يقطعون أمراً حتى تتناوله آراء أهل الحل والعقد، وأبقى النظر في وسائل استطلاع الآراء إلى اجتهاد أولي الأمر، وإلى ألمعيتهم، فهم الذين يدبرون النظم التي يرونها أقرب وأكمل، فيستطلعون الآراء باقتراع سري أو علني، بالكتابة أو برفع الأيدي أو بالقيام، ولهم النظر في تعيين من يستفاد من آرائهم وكيفية انتخابهم.