للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعسفاً غير مقبول أن يعلل ذلك الذي يبدو من نقص المظاهر الحكومية زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بأن منشأه سلامة الفطرة، ومجانبة التكلف".

لم يجئ في الشريعة تكليف بما لا يطيقه الإنسان قطعاً، ولا بما يطيقه وفيه مشقة فادحة؛ بحيث يتبرم منه ذو الفطرة السليمة، وينقطع دون المواظبة إعياء وكللاً. وأما ما فيه مشقة، عُهد من الناس احتمال أمثالها؛ بحيث يصبح بالاعتياد عليه كالأعمال التي تنساق إليها النفوس بطبيعتها، فهذا ما لا تتحاماه الشريعة، بل تأمر بما فيه مثل هذه المشقة، لا قصداً للإعنات، بل نظراً إلى ما يترتب على العمل من مصلحة في هذه الحياة، أو في تلك الحياة.

فسهولة الدين من حيث إنه وضع تكاليف يسهل على الناس القيام بها متى خففوا من طغيان الأهواء، وتدبروا في حكمة هذه التكاليف وحسن عاقبتها. وبهذا يتضح جلياً أن سهولة الدين تلتئم مع الحقائق العائدة إلى أصول الحكم، اْو نظم السياسة.

وأما بساطته، فمن جهة أنه خرج للناس في صورة موجزة جامعة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "بعثت بجوامع الكلم" (١)، ومعناه: أن شريعته جاءت بأقوال ذات ألفاظ وجيزة، ومعان واسعة، فِلوَجازتها يسهل حفظها، ولسعة معانيها كانت الحقوق والآداب ماثلة في تعاليمها، مأخوذة من جميع أطرافها.

ولهذه البساطة كان النبوغ في علوم الشريعة، والبلوغ فيها إلى مكانة الاجتهاد والإفتاء ليس بالأمر الذي يحتاج إلى زمن طويل، متى كان أسلوب


(١) "صحيح البخاري".