تعليمها وتلقيها بنظام. ولا أضرب المثل بالعصر الأول يوم كانت وسائل العلم بها من لغة ونحو وبيان مطوية في ألسنة القوم فطرة، بل أضرب المثل بالعصور التي أصبحت فيها هذه الوسائل علوماً تدرس كما يدرس التفسير والحديث، والعقائد.
بلغ حجّة الإسلام الغزالي في العلم مكاناً عالياً، وصار من الأعلام المشار إليهم بالبنان في عهد أستاذه إمام الحرمين، وعمره يوم توفي إمام الحرمين نحو ثمان وعشرين سنة.
وتلقى القاضي أبو بكر بن العربي مبادئ العلوم بالأندلس، ثم رحل إلى المشرق، وقد أدرك السابعة عشرة من عمره، فدخل مصر والحجاز والشام والعراق، ثم انصرف بعد ثمانية أعوام وهو بحر في علوم الشريعة، إمام في فنون اللغة العربية، حتى قالوا: إنه قدم الأندلس بعلم غزير لم يدخل أحد قبله بمثله.
ولا أطيل في ضرب الأمثلة من أنباء الرجال الذين دخلوا في زمرة العلماء الراسخين، وامتلأت الحقائب من نفائس تحريراتهم، وهم لا يزالون في عهد شبيبتهم، فإن الغرض بيان معنى بساطة الدين، وكون أصوله تحمل أحكاماً وآداباً لا يحيط بها حساب.
والبساطة بهذا المعنى من مزايا الإسلام، ودلائل نبوة المبعوث به، ولكن المؤلف يقلب الحقائق، أو تنقلب في نظره الحقائق، فلم يقدر هذه البساطة حق قدرها، ونزع إلى إنكار أن يكون الإسلام شريعة وسياسة، بدعوى أنه أهمل ما ينبغي للحكومات من أركان وأنظمة. وقد كان بعض الغربيين من غير المسلمين أصفى خاطراً، وأقربَ إلى الإنصاف منه؛ حيث شهدوا للإسلام