سنّة النبي - عليه الصلاة والسلام -, وجدنا الأمر فيها أصرح، والحجة أقطع، روى صاحب "السيرة النبوية": أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لحاجة يذكرها، فقام بين يديه، فأخذته رعدة. شديدة ومهابة، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "هوِّن عليك؛ فإني لست بملك ولا جبّار، وإنما أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد بمكة ... "، وقد جاء في الحديث: أنه لما خير على لسان إسرافيل بين أن يكون نبياً ملكا، أو نبياً عبداً، نظر - عليه الصلاة والسلام - إلى جبريل - عليه السلام - كالمشير له، فنظر جبريل إلى الأرض، يشير إلى التواضع، وفي رواية:"فأشار إلى جبريل أن تواضع، فقلت: نبياً عبداً، فذلك صريح أيضاً في أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ملكاً، ولم يطلب الملك، ولا توجهت نفسه - عليه السلام - إليه".
لو التزم أحد على وجه المزح أن لا يقول إلا خطأ، ثم تحدث بمقدار ما تحدث المؤلف في ذلك الكتاب، لسبق لسانه إلى الصواب مراراً، وربما لا يكون خطؤه أكثر من خطأ كتاب "الإسلام وأصول الحكم".
بعد أن ساق المؤلف آيات:{إنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ}[الأعراف: ١٨٨]، وما جاء على شاكلتها مساقَ الاستشهاد على نفي أن يكون النبي - عليه السلام - منفذاً، أتى بهذين الحديثين يبتغي منهما أن يشهدا له على باطل، ولم يرع حرمة الأحاديث النبوية، فيكف قلمه عن إيرادها؛ حيث يدّعي على مقام الرسالة غير الحق.
خذ أيَّ عالم أو شبه عالم أو عامي ذي فطرة سليمة، واقرأ عليه الحديثين، وخذ معه بأطراف الحديث في معنى"ملك" الوارد فيهما، فإنه ينظر إلى مساق الكلام وما يقتضيه حال الخطاب، فلا يفهم من قوله:"لست بملك"