للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الحديث الأول إلا ما هو الغالب على الملوك من البطش وقلة الأناة؛ ولا يفهم من قوله: "ملكاً" في الحديث الثاني إلا مظهر العظمة الأبهة.

وذلك المعنى هو الذي ينحو نحوه شرّاح الحديث، قال الشهابي الخفاجي (١) في تفسير: "لست بملك" من الحديث الأول: "من الملوك الجبابرة الذين تخشى بوادرهم (٢) ". وقال في تفسير "ملكاً" من الحديث الثاني: "أن يكون شؤونه كالملوك في اتخاذ الجنود والحجاب والخدم والقصور (٣) ".

وأما معنى الرياسة السياسية، وتدبير الشؤون العامة، وهو ما يعنيه المؤلف، فإنه لا يقع في ذهن من يتلقى الحديث بروية، ولا يكاد يخطر له على بال.

ولو كان المؤلف يتنبه إلى معنى الحديث قبل الراده، لسبق إلى اختيار المعنى الذي يسبق إلى فهم كل سامع، واحتفظ على مذهبه من أن الرياسة السياسية تنافي طبيعة الرسالة، فإن حمل الملك على الرئيس السياسي في قوله: "خيِّر بين أن يكون نبياً ملكا" يجعل الحديث حجّة على أن الرسالة والملك لا يتنافيان.

ولقد ذكّرنا المؤلف بتأويله لتلك الآيات والأحاديث رجلاً من أهل مكة كان يؤوّل الشعر، قال ذات يوم: ما سمعت بأكذبَ من بني تميم،


(١) أحمد بن محمد بن عمر، شهاب الدين الخفاجي (٩٧٧ - ١٠٦٩ هـ = ١٥٦٩ - ١٦٥٩ م) عالم الأدب واللغة، وقاضي القضاة. ولد وتوفي بمصر.
(٢) "شرحه للشفا": (ج ٢ ص ١١٧).
(٣) "منه" (ج ٢ ص ١٠٥).