والخطاب في قوله:{مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} موجه إلى من آمنوا به، والمراد من الاستفهام: الطلب، والأنصار: جمع نصير، ونظيره: أشراف جمع شريف، وقوله:{إِلَى اللَّهِ} واقع موقع الحال من قوله: {أَنْصَارِي}، والمعنى: من ينصرونني منهين نصرتهم إلى الله، ومعنى إنهاء نصرتهم إلى الله: قيامهم بها يريدون وجه الله دون قصد غاية أخرى، فنصرة عيسى - عليه السلام - من جهة أنه رسول، ونصرة رسول الله نصرة لله؛ أي: تأييد لدينه، فهي من الأعمال الصالحة المقدمة إلى الله، ومن هنا كان قول الحواريين:{نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} أحسن وقعاً من أن يقولوا: نحن أنصارك.
ونصرتهم لعيسى - عليه السلام -: بحمايته من أولئك الكافرين، ودفع أذاهم عنه، أو بدعوتهم إلى الدين الذي جاء به، وتأييده بالحجة، ولا تحمل على الجهاد؛ إذ لم يثبت أن عيسى - عليه السلام - قد أمر به.
وقوله:{آمَنَّا بِاللَّهِ} واقع موقع التعليل لقولهم: نحن أنصار الله؛ إذ لا دافع إلى نصرة دين الله غير الإيمان به إيماناً صادقاً، ثم قالوا:{وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، فأكدوا إسلامهم إذ جعلوه مما يصح أن يشهد به الرسول، وهو لا يشهد بإسلام إلا أن يكون على علمٍ من صدقِ صاحبه وإخلاصه
ثم انتقلوا من خطاب عيسى - عليه السلام - إلى مناجاة الله تعالى، فقالوا:{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ}، وهذا عرض لحالهم على الله