تعالى، فقولهم:{آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ} إخبار عما انطوت عليه نفوسهم من الإيمان الصادق، وقولهم:{وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} تصريح يقتضيه الإيمان الصحيح من امتثال المأمورات، واجتناب المحظورات؛ إذ لا يتم اتباع الرسول إلا بامتثال ما يأمر به، واجتناب ما ينهى عنه، وإن لم يوجد له ماخذ من الكتاب الذي أنزل عليه، والله يعلم إيمانهم وصالح أعمالهم، وإنما قصدوا تقديم وسيلة إلى استجابة دعائهم بقولهم:
{فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}:
والشاهدون: الذين يشهدون بالتوحيد، وما لا يتم الإيمان إلا به، أو الأنبياء - عليهم السلام -؛ فإنهم شهداء أممهم يوم القيامة؛ كما قال تعالى:{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}[النساء: ٤١].
وبعد أن قص حال المؤمنين بعيسى - عليه السلام - , عاد إلى الحديث عن أولئك الكافرين، وأشار إلى ما كانوا يأتمرون به من قتله، مقروناً بوعيد بالغ، فقال تعالى:
والمكر: إيصال المكروه إلى الشخص على وجه يخفى، فيصح إسناده إلى الله تعالى من غير حاجة إلى دعوى المشاكلة، وقد أسند إليه تعالى ابتداء في قوله تعالى:{أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}[الأعراف: ٩٩].
وفي إسناد المكر بهم إلى الله إيذان بأن المكر الواقع بهم أعظم من المكر الذي بيتوه لعيسى - عليه السلام -، وجاء هذا المعنى مصرحاً به في قوله تعالى:{وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}، وكان مكر الله خيراً من مكرهم؛ لأنه نافذ