للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا محالة، ولا يقع إلا حيث يقتضيه العدل.

{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ}:

و (إذ) في قوله: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى} ظرف يتعلق بقوله: {وَمَكَرَ اللَّهُ}.

والتوفي في أصل اللغة: أخذ الشيء وتسلمه، تقول: توفيت ديني من فلان؛ أي: قبضته منه، ثم استعمل في الموت على وجه المجاز؛ لأن من أماته الله، فقد توفاه، فيكون هذا الاستعمال من قبيل إطلاق اسم اللازم على الملزوم.

فإذا ورد التوفي في كلام عربي، حُمل على الأخذ والتسلم حتى تقوم قرينة على أن المراد منه: الموت الذي هو مفارقة الروح للجسد.

وورد التوفي في آيات يتعين صرفه فيها إلى معنى الأخذ والقبض، ولا يصح حمله على الموت؛ كما قال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: ٤٢]، فمعنى التوفي هنا: الأخذ والقبض، ولا يصح تفسيره بالموت؛ لأنه جعل من الأنفس المتوفاة ما لم تمت، فقال: {وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ}، وقال: {وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}، وكما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى} [الأنعام: ٦٠]، فجعل التوفي هنا مقابلاً للبعث في النهار، ولم يجعله مقابلاً للموت.

ويدلكم على أن التوفي إنما يستعمل في الموت على وجه المجاز المصحوب بقرينة: أن القرآن لا يأتي به في مقابلة الحياة، وإنما يقابل