للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحياة بلفظ الإماتة؛ كما قال تعالى: {يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} [الجاثية: ٢٦]، وقال: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ} [الأنعام: ٩٥].

ونبني على هذا صحة تفسير {مُتَوَفِّيكَ} بمعنى: آخذك وقابضك؛ فإنه تفسير تتقبله اللغة، وله نظائر في آيات الذكر الحكيم، وانظر في قول عيسى - عليه السلام - فيما قصه الله عنه في آية أخرى: {وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: ١١٧]؛ حيث قابل التوفي بحال كونه فيهم، ولم يقابله بالحياة؛ كأن يقول: ما دمت حياً، وهذا ظاهر في أنه لم يرد من التوفي: الإماتة.

هذا ما نختاره في فهم قوله تعالى: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ}، وحملت طائفة التوفي على معنى: الإماتة، مع إيمانهم بأن عيسى - عليه السلام - رفع إلى السماء، وأنه سيموت من بعد، وأبدوا لتقديم قوله: {مُتَوَفِّيكَ} على قوله: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} وجهاً غير بعيد، هو أن اليهود قرروا قتله، فاقتضى الحال المبادرة إلى بشارته بأن أيديهم لا تصل إليه بالقتل، وأنه يموت على فراشه الموت المعتاد.

{وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}:

هذا ظاهر في رفعه بجسده، ومستبعد جداً أن يراد منه: رفع مكانته؛ لأن الخطاب لعيسى - عليه السلام - وهو روح وجسد، فيحمل على أنه قد تعلق بهما حتى يقوم دليل على أنه تعلق بواحد منهما فقط.

ومما يبعد تفسير الرفع برفع مكانته: أنه قال تعالى في آية أخرى: {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: ١٥٧ - ١٥٨]، وهذا رد على اليهود، وتكذيب لهم في دعوى أنهم قتلوه، ولا يكون رداً عليهم وتكذيباً إلا إذا