للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان الرفع لجسده، إذ لا يحسن أن يرد على من قالوا: قتلنا المسيح بأن الله رفع درجته، وإنما يكون قوله: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} رداً على ما قاله اليهود لو قالوا: إن عيسى قلاه ربه، وأبعده، أو حط مكانته.

ويؤيد فهم الآية على معنى رفعه بجسده: أن النصارى يعتقدون أن عيسى - عليه السلام - رفع بجسده، فلو لم يكن عيسى قد رفع بجسده، لما جاءت الآية على هذا الوجه الذي يوافق معتقدهم، بل يؤتى بعبارة أخرى تبطل هذا الاعتقاد؛ كما أبطل زعمهم أنه قتل وصلب، أو يأتي بعبارة لا تجاري على الأقل مذهبهم.

{وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}:

تطهيره - عليه السلام - منهم بإبعاده عنهم، وهذا في نفسه محتمل لأن يطهره منهم بالهجرة من أوطانهم، ولأن يطهره برفعه إليه من أرضهم، والهجرة من أوطانهم لم يشر إليها القرآن كما أشار إلى هجرة إبراهيم وموسى ونبينا محمد -صلوات الله عليهم-، ولم تثبت بها رواية، أما رفعه، فقد دل عليه قوله تعالى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء: ١٥٧]، وقوله: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}، فيكون قوله: وَمُطَهِرُكَ تأكيداً لقوله: {وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}، ومشيراً إلى أن من كفروا به نجس، لا ينبغي للطيب الذي يئس من هدايتهم أن يبقى متصلاً بهم، وفال: {مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا}، ولم يقل: {مِنْهُمْ} إيماء إلى علة نجاستهم التي هي الكفر.

{وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ}:

هذه بشارة ثالثة لعيسى - عليه السلام -، هي أن المتبعين له يكونون أعلى ممن كفروا به، وكان المتبعون له قبل الإسلام النصارى الذين آمنوا