العربية التي وجدت زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم تكن وحدة سياسية بأي وجه من الوجوه، ولا كان فيها معنى من معاني الدولة والحكومة، بل لم تعدُ أبداً أن تكون وحدة دينية خالصة من شوائب السياسة، وحدة الإيمان والمذهب الديني، لا وحدة الدولة ومذاهب الملك".
لا حرج على تلك الأمم المختلفة في عاداتها وآدابها ومناهج حكمها، أن تنتظم بشريعة الإسلام؛ فإن القوانين تكون محكمة، وتسير على وجه مطرد، متى اتفق لها أمران: أن لا تكون مخلة بالمصلحة، وأن يتلقاها الجمهور بسكينة واطمئنان. وفي الشريعة بعض أحكام مفصلة؛ وسائرها أصول كلية حسبما قررناه أنفاً، أما الأحكام المفصلة، فإنها قائمة على رعاية مصالح لا تختلف باختلاف الشعوب والعادات، وما لم يفصل حكمه، فذلك موكول إلى نظر الحاكم، فينظر فيما يقتضيه حال العادات والأخلاق وطبيعة الاجتماع، ويستنبط له من تلك الأصول العامة حكماً مطابقاً. ولا شك أن الخضوع لأحكام الشريعة، مفصلة كانت أو مأخوذة باستنباط مستوف للشروط، هو من مقتضيات الإيمان بحكمتها.
فأخذ تلك الشعوب والقبائل تحت حكومة الإسلام لا يخل بشيء من مصالحها، كما أنه لا يتوقع من الجمهور أن يلاقي قضاء هذه الحكومة وإدارتها، بغير السكينة والاطمئنان.
وما زعمه المؤلف من أن تلك الوحدة العربية لم يكن فيها معنى من معاني الدولة والحكومة، زعم يضربه التاريخ الصحيح بيد عنيفة قاسية، "وما يدريك، فلعل الشر ضروري للخير في بعض الأحيان".
قال المؤلف في (ص ٨٣): "يدلك على هذه سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فما عرفنا