للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه تعرض لشيء من سياسة تلك الأمم الشتيتة، ولا غيَّر شيئاً من أساليب الحكم عندهم، ولا مما كان لكل قبيلة منهم من نظام إداري أو قضائي، ولا حاول أن يمس ما كان بين تلك الأمم بعضها مع بعض، ولا ما كان بينها وبين غيرها من صلات اجتماعية أو اقتصادية، ولا سمعنا أنه عزل والياً، ولا عين قاضياً".

مما لا تحوم عليه شبهة، ولا تخالجه ريبة: أن كل أمة تعتنق الإسلام يأخذ الحكم فيها صورة غير صورته الجاهلية، فالقضايا كلها، سواء كانت جنائية أم مالية، أم راجعة إلى أحوال الزوجية، إنما تفصل بحكم القرآن أو السنّة، أو بالاجتهاد المستند إلى القواعد المركوزة في نفس الواقف على روح التشريع، ومن شواهد هذا: حديث معاذ، حين بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، فقد تضمن الحديث: أنه يقضي بكتاب الله، فإن لم يكن في كتاب الله، فبسنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن لم يكن في سنّة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، اجتهد رأيه، وقد صحح هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن العربي في "عارضة الأحوذي"، وصححه ابن قيّم الجوزية في "إعلام الموقعين" (١).

وقال الإمام الشافعي - رضي الله عنه -: "بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سراياه، وعلى كل سرية واحد، وبعث رسله إلى الملوك، إلى كل ملك واحد، ولم تزل كتبه تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهي، فلم يكن أحد من ولاته يترك إنفاذ أمره" (٢).

وفي "صحيح البخاري": (٣) أنه - صلى الله عليه وسلم - يبعث: "أمراءه واحداً بعد واحد،


(١) (ج ١ ص ٢٤٣).
(٢) "فتح الباري" (ج ١٣ ص ١٨٩).
(٣) (ج ٩ ص ٨٦).