تهافتت على المؤلف هذه الخواطرة لقلة تفقهه في الشريعة، وعدم وقوفه على تاريخ عهد النبوة وقوفَ الباحث البصير، وحذراً من أن تستدرج هذه الفقرة نفراً ينصتون لها على غير هدى، أسوق كلمة مقتصدة، يلقي عليها القارئ نظرة واحدة، فيشهد من روح التشريع، وتاريخ السياسة النبوية ما تتساقط عنده تلك الشبه صرعى، ويتسلل منه ذلك الرأي لواذاً.
لنبحث عن مبادئ الشريعة الاجتماعية السياسية، منذ طلعت إلى أن أغلق باب الوحي، ونعرّج على نبذة من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - في تدبير شأن السياسة؛ حتى تعلم أن الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم لم يخطئوا في فهم الدين، ولم يتفقوا على ضلالة.
نزل القرآن في نحو عشرين سنة، وكان معظم ما نزل بمكة إنما هو كليات الشريعة؛ من تقويم العقائد، وإصلاح الأخلاق والعادات، فتجد السور المكية طافحة بالدعوة إلى الإيمان بالله ورسله واليوم الآخر، وإقامة الحجج على ذلك، ودفع شبه الجاحدين، والأمر بالنظر في ملكوت السماوات والأرض، والاعتبار بقصص الأمم الخالية، ثم الإرشاد إلى مكارم الأخلاق؛ من نحو العدل والصدق والحلم والعفو والصبر، والوفاء بالعهد، وحسن الإخاء، وبر الوالدين، وإنفاق المال في طريق الخير، وإيفاء الكيل والميزان، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإباية الضيم المنبه عليها بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ}[الشورى: ٣٩].
وهناك تجد محاربة المزاعم الباطلة، والعادات السمجة، والنهي عن البغي وقتل النفس والزنى، والتطفيف في الكيل والوزن، والخيلاء والإعجاب بالنفس، والرياء والكذب، والقول على الله بغير علم. كل ذلك تراه مصوغاً