في أساليب تلذ الفطر السليمة مذاقها، وتلين القلوب القاسية لجزالتها، وشرع في أثناء ذلك أهم ركن في العبادات، وهي الصلاة، ثم بعض الأحكام الراجعة إلى قسم العادات؛ كبيان ما يحلّ أكله، وما هو حرام، وألقى في النفوس أن الشريعة تمشي بالناس على الطريقة الوسطى، فنزلت آيات في التذكير بنعم هذه الحياة، وأخرى في إباحة الأخذ بزينتها والتمتع بطيباتها. وهنالك وضعت القاعد؛ الاجتماعية السياسية، وهي قاعدة الشورى، ونزل قوله تعالى:{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[الشورى: ٣٨].
ويمثل هذه التعاليم الباهرة، والآداب الساطعة، تألف حول مقام الرسالة قوم يخالفون سائر القبائل العربية بعقائدهم وأخلاقهم وآدابهم، وكثير من عاداتهم، وأصبحوا بين يدي واعظ الإسلام آذاناً صاغية، ونفوساً لينة، يقف فيقفون، ويسير فإذا هم على أثره مقتدون.
ويعد هجرة صاحب الرسالة - صلوات الله عليه - إلى المدينة المنورة، جعل الوحي السماوي يشرّع ما بين الوعظ والتذكير أحكاماً عملية، وأصولاً اجتماعية، تلك الأحكام والأصول التي لا يسنّها إلا من قصد إلى بناء دولة تسلك في قضائها وسياستها شرعة خاصة، فترى في السور المدنية عقوبة السارق، والزاني، والقاذف، والساعي في الأرض فساداً، وآيات الجهاد، والقضاء العادل، وما يستند إليه من بينات، ثم الإرشاد إلى أصول المعاملات؛ مثل: البيع والقرض والرهن والوصية والتوكيل والحجر على القاصرين من سفيه أو يتيم، ثم أحكام النكاح والطلاق والخلع والنفقات والمواريث والإصلاح بين الأفراد والجماعة، ثم المعاهدات التي تعقد بين المسلمين وغير المسلمين، وهنالك شرعت الزكاة والجزية، وهي أموال تصرف في