والشراب الملح الأجاج، وأن يقرع سمعه أنكر الأصوات، أو يمس بدنه حرّ سلاح أو سياط. ويغتم لفقد مال أو مفارقة صديق، أو استبداد حاكم غشوم.
ومن البديهي أن النفوس تحرص على ما فيه لذة أو سرور، وتنفر مما فيه ألم أو غم، فكل إنسان يسعى بفطرته إلى ما فيه لذته وسروره، ويحذر ما يلاقي به ألماً وغمّاً، ولا تكاد تصرفاته الصادرة عن إرادة وعزم تخرج عن أن يقصد بها نيل ما فيه لذة أو سرور، أو يحترس فيها عمّا فيه ألم أو غمّ، وإذا اعترض عما فيه لذة أو سرور، فلينال لذة وسروراً أعظم، وإذا اقتحم موقع ألم أو غمّ، فليخلص من ألم أو غمّ أشد أثراً، أو أطول أمداً.
وحيث كان الإنسان مخلوقاً على فطرة تستدعي أن يعيش في جماعة من أبناء جنسه، وتألَّف الناس بالفعل شعوباً وقبائل، أصبحت أسباب اللذة والسرور، والآلام والغموم تتصادم، فربّ عمل فيه لذة شخص أو سروره، يجر لآخر غماً أو ألماً، ورب إحجام إنسان عن موقع ألم أو غمّ يحرم غيره لذة وسروراً.
فنسمي اللذة والسرور وأسبابها: مصالح، أو منافع، ونسمّي الآلام والغموم وأسبابها: مفاسد، أو مضار، ونقول: إن تعارض الدواعي في جلب المصالح ودرء المفاسد يفضي بطبيعته إلى تنازع وتقاتل. فاقتضت الضرورة أن يكون للجماعة قانون يكبح القوى عن الاستئثار بمنافع الضعفاء، ويفصل ما ينتشب بين القوتين المتكافئتين من تدافع وخصام.
فالشرائع السماوية، والقوانين الوضعية، تتحد في أن القصد منها: حفظ المصالح، ودرء المفاسد على وجه يجعل كل أحد يصل إلى ملاذّه