للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أن أحكام الشرائع معللة، وأن التعليل يشمل كل فرد من الأحكام ..

وصرح عز الدين بن عبد السلام بأنها معللة بجلب المصالح ودرء المفاسد، قال في "قواعده" (١): "فصل في مناسبة العلل لأحكامها، وزوال الأحكام بزوال أسبابها، فالضرورات مناسبة لأباحة المحظورات جلباً لمصلحتها، والجنايات مناسبة لإيجاب العقوبات درءاً لمفاسدها". وقرر أبو إسحق الشاطبي في كتاب: المقاصد من "موافقاته": (٢) "إن وضع الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل والآجل معاً".

ولبناء أحكام الشريعة على مصالح العباد في الدنيا، خاض أهل العلم في البحث عن هذه المصالح، وعقدوا الموازنة بينها وبين المفاسدة ليبنوا الحكم على الراجح منهما عند التعارض، كما فعل أبو إسحاق الشاطبي في "موافقاته"، وعز الدين بن عبد السلام في "قواعده"، وتجدهم ينظرون إليها كما ينظر إليها أصحاب القوانين الوضعية؛ من حيث عظمها وصغرها، ومن حيث ما يترتب عليها في الخارج من آثار نافعة، أو عواقب سيئة، فهذا عز الدين بن عبد السلام يقول: "فصل في اجتماع المصالح مع المفاسد: إذا اجتمعمت المصالح مع المفاسد، فإن أمكن تحصيل المصالح ودرء المفاسد، فعلنا ذلك؛ امتثالاً لأمر الله تعالى فيهما، وإن تعذّر الدرء والتحصيل، فإن كانت المفسدة أعظم من المصلحة، درأنا المفسدة، ولا نبالي بفوات المصلحة. قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: ٢١٩]. وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة،


(١) نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية.
(٢) (ج ٢ ص ٢).