حصلنا المصلحة مع التزام المفسدة ... والضابط: أنه مهما ظهرت المصلحة الخلية عن المفاسد، سُعي في تحصيلها، ومهما ظهرت المفاسد الخلية من المصالح، سعي في درئها؛ وإن التبس الحال، احتطنا للمصلحة بتقدير وجودها، وفعلناها، وللمفسدة بتقدير وجودها، وتركناها".
ومن جهة التعليل بالمصالح انفتح باب القياس في الأحكام، وهو إلحاق الوقائع بنظائرها المنصوص عليها حيث اشتركتا في علة الحكم، كما قاسموا القضاء في حال المرض على القضاء في حال الغضب المنصوص عليه في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقضي القاضي وهو غضبان"؛ لأن علة المنع من القضاء متحققة في حال المرض، وهي قلق الفكر واضطرابه.
قال المؤلف في (ص ٨٥): "قد نخاف أن يخفى عليك أمر ذلك التباين الذي نقول: إنه كان بين أمم العرب زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأن تخدعك تلك الصورة المنسجمة التي كان يحاول المؤرخون أن يضعوها لذلك العصر، فاعلم أولاً: أن في فن التاريخ خطاً كثيراً، وكم يخطئ التاريخ، وكم يكون ضلالاً كبيراً! ".
شأن الباحث المحقق أن يحدّ رأيه من كل جهة، ثم يتعرض لما عساه أن يقع في سبيله من روايات المؤرخين، وينقده بحكمة، فيبين مخالفته لسنن الكون، أو لطبيعة حال الأمة التي يقص من أنبائها، أو يعارضه برواية هي أصح سنداً، وأرجح وزناً.
كل إنسان يعلم أن في التاريخ حقاً وباطلاً، ولكن وراء التاريخ علوماً وقواعد تميز حقه من ياطله، وصحيحه من سقيمه.
فهل نقل المؤلف الروايات التي حاول المؤرخون أن يضعوا بها لعهد