النبوة تلك الصورة المنسجمة، وبيّن وجه مخالفتها للسنن الكونية، أو لطبيعة الأمة العربية، أو نقضها بروايات هي أمتن سنداً، وأوفى وزناً؟.
كل ذلك لم يقع، ولم يزد المؤلف على مزاعم يلف حبلها على غاربها، ويرسلها سائبة في الورق كالضالة غير المنشودة، فلا شبهة تسترها، ولا دليل يقودها؛ كأنه يبعث بها إلى الصم البكم الذين لا يعقلون.
ولو كان هذا المنطق نافعاً، لكان لنا أن نكتفي في نقض هذا الكتاب بأن نقول لقارئه: قد نخاف أن يخفى عليك أمر ذلك الكتاب الذي نقول: إن مؤلفه يجهل ما كان بين أمم العرب زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن تخدعك تلك الصورة المزورة التي يحاول أن يضعها للحكومة النبوية، فاعلم أولاً: أن في الآراء خطاً كبيراً، وكم يخطئ الرأي، وكم يكون ضلالاً كبيراً!.
قال المؤلف في (ص ٨٥): "واعلم ثانياً، أنه في الحق أن كثيراً من تنافر العرب وتباينهم قد تلاشت آثاره بما ربط الإسلام بين قلوبهم، وما جمعهم عليه من دين واحد، ومن أنظمة وآداب مشتركة".
يدّعي المؤلف: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتعرض لتلك الأمم من حيث الحكم والسياسة، والطريق النافع لهذه الدعوى أن ينقد الروايات الشاهدة بأنه - عليه السلام - كان يولي تلك الأمم أمراء يسوسونهم بالكتاب والسنّة والاجتهاد الصحيح، ولكنه بدل أن يأخذ في هذا الطريق العلمي، أخذ يتحدث بما لا يدخل في موضوع البحث، ولا يعود على تلك الدعوى بفائدة.
من أي منفذ يدخل في الموضوع قوله:"أن كثيراً من تنافر العرب وتباينهم قد تلاشت آثاره بما ربط الإسلام بين قلويهم"؟ ومن الذي يلتبس عليه التنافر والتباين في بعض عادات وآداب بالتباين في الحكم ومرجع السياسة؟