ذلك، قاتلناك حتى يحكم الله بيننا وبينك (١)". وهذه سيرة أبي بكر وسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول آية الجزية.
وإذا كان أبو بكر وغيره من الخلفاء الراشدين، يتحرى مقاصد الشريعة، ويسوس الأمة بأصولها، ويحرس الدين من أن تعبث به يد الجهالة أو الأهواء، ويقوم على أمر الدعاية جهد استطاعته، فذلك معنى كون دولته إسلامية، وذلك معنى الخلافة، ولكن بعض الناس لا يفقهون.
يقول المؤلف: "لا تخرج عن أن تكون دولة عربية أيدت سلطان العرب، وروجت مصالح العرب ... إلخ".
الذي وقع أن أولئك الخلفاء رفعوا منار الإسلام حتى ضربت أشعته في قلوب أمم كثيرة، وليس من السهل على المؤلف أن يضع على فم التاريخ كمامة، وينكر خدمتهم للإنسانية، وإنقاذهم لتلك الأمم من عماية في العقائد، وسماجة في العادات، وجهالة بطرق السياسة الرشيدة، وإذا انجرّت إلى العرب مصالح، وتمكنوا في أقطار الأرض، فذلك من أثر قيامهم بالدعوة إلى الدين الحنيف، واعتصامهم بحبل شريعته الحكيمة؛ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}[النور: ٥٥].
ولم يسعَ أولئك الخلفاء لترويج مصالح العرب، ولا للتمكين لهم في الأرض، فإن من يزهد في الدنيا زهدَ أبي بكر وعمر، فيقنع منها بالثوب المرقع، والرغيف الخشن، ويعود إلى منزله بضواحي المدينة ماشياً على