الدامس، ويطمسه سواد الاحتلال، ويغمز من قناة المستعمر وأخيه الحاكم العبد الذليل، إنه أمر جلل، وخطب كبير، ومشهد لا يطيقه الكابوس الجاثم على صدر الأمة (١).
لذا نجد أن الإمام محمد الخضر حسين - بعد هذه المحاضرة - أصبح مطلوباً من السلطة، ومراقباً من عيون الاستعمار الفرنسي الذي أعلن عليه حرباً تمثلت في عدد من الإجراءات الإدارية.
لم تكن فرنسا المحتلة عاجزة عن القبض عليه، ولم تكن يدها قصيرة عن اغتياله على غفلة، أو إعدامه كما فعلت بالآلاف من الناس، ولأسباب تفتعلها.
والرأي عندي أن كلاً من حكومة الاستعمار وحكومة العبيد، لم تلجأ إلى هذا الأسلوب؛ للمكانة العلمية الباهرة التي كانت تحيط بالإمام في أعين طلابه ومحبيه ومعارفه، وللمركز المرموق الذي كان يتمتع به بين علماء الزيتونة. وإن المستعمر الفرنسي والحاكم الذليل كانا حريصين على عدم المساس بالشعور الديني؛ لأن أية محاولة من هذا القبيل تشعل نار أحداث دامية هما في غنى عنها.
إذن لا بدّ أن تكون المجابهة مع الإمام المجاهد في الخفاء، وعلى مراحل يمكن تلخيصها وإيجازها بالحؤول دون وصوله إلى الطبقة الأولى من المدرسين في جامع الزيتونة، رغم كفاءته العلمية التي شهد بها شيوخه
(١) يقول الكاتب الإسلامي الكيير الأستاذ محب الدين الخطيب عن محاضرة "الحرية في الإسلام": دلت على نزعته المبكرة إلى الحرية، وفهمه السليم لرسالة الاسلام من هذه الناحية.