للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ج - إذا صح أن يكون في الشعوب من خُلق للاستعمار، فإن شمال إفريقيا خلق غير هذا الخلق، وأول بلاد في شمال أفريقيا امتدت إليها يد الاستعمار بلاد الجزائر، وقد قام أهل الجزائر بما في أيديهم من سلاح، واستمروا في دفاع فرنسا نحو سبع عشرة سنة، إلى أن نفد ما عندهم من وسائل الدفاع، ولم يجدوا من غير أنفسهم مناصراً، فاضطروا لذلك الحين إلى ترك القتال، ولكنهم لم يستقروا على مسالمتها، أو يسكتوا عما تحاوله من إدماجهم في جنسيتها، بل كانت ثوراتهم عليها بالسلاح متواصلة، ولم تنقطع هذه الثورات، على شدة ما تقابلها به فرنسا من القتل والنفي والسجن، وآخرها هذه الثورة التي لا تزال أنباؤها تقرع الأسماع، وتشغل جانباً من الصحف الغربية والشرقية.

واحتلت فرنسا بعد الجزائر البلاد التونسية بمعاهدة أكرهت سمو الباي على توقيعها، وسمتها حماية، وعلى الرغم من أن الحكومة التونسية، وما تحت يدها من الجنود، لم يدخلوا في حزب فرنسا، قامت بعض المدن والقبائل في وجه الاحتلال بما لديهم من السلاح، واشتبكوا مع فرنسا في مواقع أعربوا بها عن عدم رضاهم بسلطان الأجنبي، وأشهدوا التاريخ على بطولتهم واستهانتهم بالموت في سبيل كرامتهم، ولم يترك التونسيون مقاومة الاستعمار، والسعي وراء استرداد حقوقهم المسلوبة، وكم لاقى زعماء تلك الحركات من سجن واعتقال، وعزل من الوظائف، ونفي في أقصى القطر وخارجه!.

واحتلت فرنسا بعد هذا المغرب الأقصى (مراكش) بمعاهدة أمضاها السلطان عبد الحفيظ، وسميت هذه المعاهدة: حماية، ولكن الأمة المراكشية لم تسكن لهذا الاحتلال، وقام فيها زعماء وأحزاب بجهاد، تعرضوا به للعسف