قلنا على وجه الفرض: إن احتياج الرجل إلى رأي غيره في بعض الأمور نقص، فإنا إذا وضعنا هذا النقص في كفة، ووضعنا الفوائد التي تحصل من الاستشارة في كفة، رجحت هذه الفوائد، وغطت على ذلك النقص، حتى كأنه ذهب، ولم يبق له عين ولا أثر.
{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}:
العزم على الشيء: عقد الضمير على فعله، والتوكل على الله: الاعتماد عليه، والثقة به، والآية ظاهرة في أن التوكل يكون عند تعاطي الأسباب، فقد أمرت بالتوكل عند العزم على العمل، فهنالك عزم وعمل يقارنهما التوكل، وفي هذا رد على من يتوهم أن التوكل نفض اليد من الأسباب جملة، ومن أثر هذا التوهم: أن وجد في الأمة أشخاص يرضون بأن يكونوا عالة على الناس، وهم قادرون على أن يقوموا بمطالب حياتهم، ويعيشوا في عزة وكرامة.
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}:
المحبة من الإنسان: ميل الطبع إلى الشيء، وهذا المعنى ممتنع في حق البارئ -جل جلاله- , فإذا أضيفت المحبة إليه تعالى، فهي صفة ثابتة له تعالى لا نعرف حقيقتها، وإنما نعرف من آثارها: إيصال الخير إلى المحبوب، وحفظه في الدنيا، وإعلاء منزلته في الدار الباقية.