راجعهم في الأمر لترى رأيهم فيه. والمراد من الأمر: ما يعرض من أمور الدنيا؛ من نحو: تدبير الحروب، وأما أمور الدين، فقد أغناه الله عن الشورى فيها بما ينزل عليه من الوحي، أو بالاجتهاد الذي ينظر فيه بنور الله إن قلنا: إنه كان - عليه الصلاة والسلام - يجتهد في بعض الأحكام العملية.
وهذه الآية قررت أصلاً عظيماً من أصول السياسة الرشيدة، وهو: أن لا يستبد ولي الأمر في تصريف الأمور دون أن يأخذ رأي أولي العلم، وقد قررت هذا الأصل بأبلغ وجه؛ إذ وجهت الأمر فيه إلى أكبر الناس عقلاً، وأعرفهم بطرق المصالح، وأقلهم حاجة إلى الاستعانة برأي غيره، وهو أكمل الخليقة - صلوات الله عليه -، فليس لأحد بعد هذا أن يتخيل أنه في غنى عن المشاورة بما أوتي من كمال العقل وسداد الرأي.
وفي الشورى: استبانة الرأي الحق من بين آراء متعددة، وفيها: تطييب خواطر من يهمهم أن يدبر الأمر على بصيرة، وفيها: تأليف قلوبهم؛ بما في مراجعة ولي الأمر لهم من التنبيه على رفعة أقدارهم في نظره.
وقد يتوهم الرجل: أن الاستشارة تنبئ عن الاحتياج إلى رأي غيره، فهي من علامات اعتقاده بضعف رأيه، والحقيقة أن الإنسان -وإن بلغ عقله الغاية- لا يستغني عن الاستعانة في مشكلات الأمور بآراء الرجال؛ إذ العقول قد تكون نافذة في ناحية من الأمر، واقفة عند الظاهر في ناحية أخرى منه، ولعلك لا تجد عقلاَّ فَي الناس ينفذ في كل ناحية وجهته إليها، ومن أدرك هذه الحقيقة، عرف يقيناً أن احتياج الإنسان إلى الاستشارة من مقتضيات الفطرة البشرية، ومن يجري على مقتضى الفطرة البشرية التي ليس في طاقته الخروج عنها إلا بعصمة من الله، لا يحق لأحد أن ينسبه إلى نقص. وإن