للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من أغراض ذلك الاحتلال: أن لا يترك الفرنسيون شيئاً من التصرف في شؤون البلاد بأيدي الوطنيين، بل يقبضون على زمام كل دائرة من دوائر الحكومة، ويتصرفون في شؤونها، داخلية كانت أم خارجية، صغيرة كانت أم كبيرة، فالمالية بأيديهم يتصرفون فيها مباشرة على حسب أهوائهم الاستعمارية، والتعليم تحت سيطرتهم يقفون به في دائرة أضيق من أُفحوص (١) قطاة، ومن بلغوا من أبناء شمال أفريقية في علم من العلوم؛ كالطب، والحقوق، فإنما هم الذين يرحلون إلى أوروبا، ويتعلمون على نفقاتهم الخاصة.

وأراني في غنى عن أن أقول: إنها تجري في سياستها على تمييز الأوروبي، وتفضيله على العربي الوطني في القضاء، والوظائف، على وجه تتبرأ منه الإنسانية، وينبذه العدل باليمين والشمال؛ فإن عدم تطبيق قاعدة المساواة بين الأوروبي والوطني طبيعية كل دولة مستعمرة، ويكفي هذا النوع من مساوئ الاحتلال الأجنبي شاهداً على أنهم إنما يريدون استعبادنا، والاستئثار بمنافع أوطاننا، لا مساعدتنا على التقدم في الحياة كما يزعمون، وهم يشعرون بأننا لسنا من البله إلى حد أن نغتر بهذا الزعم، والعرب الوطنيون في شمال أفريقية محرومون من حرية الاجتماع؛ لما تضعه حكومات الاحتلال من المراقبة وبث العيون بين الأفراد والهيئات.

ومن المعروف أن فرنسا تعمل لقطع الصلة بين المغرب والبلاد الشرقية؛ خشية أن يكون هذا الاتصال وسيلة لزيادة إيقاظ المغرب، وتشجيعه على


(١) الأفحوص: مجثم القطاة، وهو الموضع الذي تفحص التراب عنه؛ أي: تكشفه وتنحيه لتبيض فيه، والجمع: أفاحيص.