المغربية عرفت لأول احتلال الأجنبي لبلادها أنه لا يرعى عهداً، ولا يحمل بين جنبيه إِلا قسوة، فجعلت نصب أعينها يوماً للخلاص منه، ولم يجد الجبن ولا اليأس إلى قلوبها من سبيل، واستمرت تناهضه بالكفاح عقب الكفاح، وهو يلجأ إلى النار والحديد، ويُجلب عن الفئة القليلة منها بخيله ورَجِله، ومدافعه وطيرانه من البر والبحر.
لم يجبن أولئك الذين لاقوا الصدمة الأولى من الاحتلال، وسار على أثرهم أبناؤهم لهذا العهد، يجاهدون بأقلامهم وأموالهم ونفوسهم، ولا يبالون ما يلاقونه من قتل وتنكيل، وها هي أنباء الثورات بالجزائر ومراكش وتونس تخترق الحواجز التي تضعها فرنسا حول البلاد، وتصل إلى الشرق، فتغمر أنديته، وتشتعل لها قلوب أنصار الحرية غضباً.
لم يكن ما تقاسيه تلك البلاد من مرارة الاحتلال معروفاً في الشرق؛ للسدود التي يقيمها المحتلون، وللمساعي التي يبذلونها في أن تبقى مكتومة، لا يتناولها كاتب ولا خطيب، وأذكر أني جئت إلى الشام قبل الحرب العالمية الأولى، وأردت أن أشغل القلم ببسط القضية المغربية في الصحف، فوجدت لقنصل فرنسا يومئذ تدخلاً ممقوتاً جعل المجال في عيني أضيق من مفحص قطاة، حتى جرى على اللسان في هذا الحال الأبيات الآتية: