كان خبيثا، ويتساقطون على الجاه ولو من طرق دنيئة، فاتخذوا منها ألسنة تنطق، وأقلاماً تكتب، وأيدياً تبطش، فازداد قرحنا بأمثال هؤلاء فساداً، وأوشك داؤنا أن يكون عضالاً، ولا أقول: أصبح داؤنا عضالاً؛ لأن كل داء اجتماعي -بلغ من الخطر ما بلغ- قابل للعلاج وللبرء، إِلا أن تفقد الأمة أطباء يعرفون داءها، وينصحون في وصف دوائها.
يزعم أولئك المستعمرون انهم هبطوا شمال أفريقية ليقيموا للحرية سوقاً نافقة، ويعلموا شعوبه كيف تكون الإنسانية المهذبة، نعم، هبطوا، فوضعوا على أبواب الحرية أقفالاً، وعلّموا الناس كيف يطغى الأقوياء على الضعفاء، ويذيقونهم العذاب ألواناً.
يزعم أولئك المستعمرون أنهم هبطوا شمال أفريقية لينشروا مدنية ورفاهية، نعم، نشروا فيه جيوشاً من مقليهم يسمونهم:(المعمرين)، فاستولوا، وما زالوا يستولون على أخصب الأراضي بقانون جائر ويغير قانون، يحرصون أن يكونوا سادة مترفين، ويكون الوطنيون عبيداً بائسين، والمعمر هنالك يقتل الوطني رمياً بالرصاص، أو طعناً بمحدد لأقل سبب يثير غضبه، ولا يخشى أن يلقى على هذه الجناية الكبرى عقاباً.
يزعم أولئك المستعمرون أنهم هبطوا شمال أفريقية ليعمروه بالعلوم والفنون، نعم، مسكوا بزمام إدارة المعارف، وحصروا التعليم في دائرة ضيقة، ورسموا له طرقاً ملتوية، كذلك يصنعون؛ لأنهم يشعرون أن العبودية والعلم لا يجتمعان في شعب إِلا أن يجتمع الليل والنهار في مكان.
لم يكفهم وضع سلطانهم على الرقاب، وغلظة قلوبهم على الإرهاق، وجولة أيديهم في الأموال، وإفساد طريقة التعليم في المدارس، لم يشف