غليلهم هذا العسف والاضطهاد، فمدوا أيديهم ليصرفوا الإيمان عن قلوب أبنائنا، ويتبدلوا قوانينهم بأحكام شريعتنا.
ألم ياتكم نبأ الفرنسيين بالمغرب الأقصى إذ يعملون على إخراج قبائل البربر من الحنيفية السمحة إلى النصرانية الكاثوليكية؟ ولا أطيل على حضراتكم بسرد الحجج على انهم يبذلون في هذه الغاية قوتهم، فقد قرأتم في مجلة "الفتح" وغيرها من الصحف وثائق لا يمسها الريب في حال.
يقول الفرنسيون القائمون بحركة تنصير البربر: إن البربر لم يكونوا في يوم مسلمين بحق، يقولون هذا؛ ليخففوا عن المسلمين مصاب تنصيرهم، ويثبطوهم عن مقاومة هذه الحركة الباغية بما في وسعهم.
ورأى المؤرخ ابن خلدون قد نظر إلى هذا الزعم بنور الله، وتصدى -وهو من علماء القرن الثامن- لرده بإسهاب، وإليكم نبذة مما قاله في وصف البربر من ناحية صدق إسلامها بعد أن تحدث عن كمال أخلاقها، وكرم طباعها، قال - رحمه الله -:
"وأما إقامتهم لمراسم الشريعة، وأخذهم بأحكام الملة، ونصرهم لدين الله، فقد نقل عنهم من اتخاذ المعلمين كتاب الله لصبيانهم، والاستفتاء في فروض أعيانهم، واقتفاء الأئمة للصلوات في نواديهم، وتدارس القرآن بين أحيائهم، وتحكيم حملة الفقه في نوازلهم وقضاياهم، وصاغيتهم إلى أهل الخير والدين من أهل مصرهم للبركة في آثارهم، واغتشائهم البحر أفضل المرابطة والجهاد، وبيعهم النفوس من الله في سبيله وجهاد عدوه، ما يدل على رسوخ إيمانهم، وصحة معتقداتهم، ومتين ديانتهم التي كانت ملاكاً لعزهم، ومقاداً إلى سلطانهم، وكان المبرز في هذا المنتحل يوسف بن تاشفين،