بُعث محمد - صلى الله عليه وسلم - بشريعة واضحة لا يحوم عليها لَبس، محكمة لا تدنو منها شُبهة، وتلقاها عنه رجال صفت بصائرهم، وتناهت في فهم سبل الخير عقولهم، فبلَّغوها كما أمروا، وجاهدوا في سبيلها حتى انتصروا، وما زال الدين الحق -ولن يزال- رفيعَ الدعائم، محفوظاً من أن تلعب به يد الأهواء والمكايد، والفضل في هذا الحفظ للكتاب الكريم، والسّنة الصحيحة؛ فإنهما قد وجدا - وسيجدان- في كل عصر عقولاً تنظر فيهما وهي مبرأة من كل عوج، بعيدة من كل هوى، فسرعان ما تبصر الحقائق محفوفة بحجج تقطع لسان كل جهول، وتفضح سريرة كل ختال فخور، قال الله تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر: ٩].
وقد دلنا التاريخ الصادق أن الدين الحنيف يُبتلى في كل عصر بنفوس نزّاعة إلى الغواية، فتتنكب عن الحقائق، وتمشي في تحريف كلمه مكبَّة على وجهها.
وليس هذا الإغواء بمقصور على من يدّعون التفقه في الدين ولم يتفقهوا؛ ككثير من زعماء الفرق المنحرفة عن الرشد، بل يتعداهم إلى فئة تسوّل له
(١) مجلة "نور الإسلام" - الجزء السابع من المجلد الثالث. كما طبع هذا البحث في رسالة خاصة عام ١٣٥١ هـ - بالقاهرة.