مكروهة من أجل ما يسام به ذوو العدد القليل من الاستضعاف، وما يساور قلوبهم من الخوف.
وما ضرنا أنا قليل وجارنا ... عزيز وجار الأكثرين ذليل
ولما كان الشأن فيمن قلَّ عددهم، وابتلوا باستضعاف عدوهم لهم، ولم يكونوا في أمن على حياتهم، أن يكونوا في عسر من العيش، ذكر تعالى في جملة ما أنعم به على المهاجرين: أنه رزقهم من الطيبات، وإن لم يذكر قبل أنهم كانوا في ضيق من العيش، فقال تعالى:
{وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}:
وكذلك كان المسلمون بعد الهجرة في عيش أوسع مما كانوا فيه قبل الهجرة، فقد انفتحت أمامهم طرق الاكتساب من نحو التجارة، وأحل الله لهم التمتع بمغانم الجهاد.
لننظر في حال أولئك الرجال الذين كانوا قليلاً مستضعفين، غير آمنين على حياتهم، فآواهم الله، وأيدهم بنصره، ورزقهم من الطيبات، لعلنا نقف على سنة من سنن الله في ما يكون فيه القوم من ضعف وخوف، وبؤس وهوان على الناس، وإمتاعهم بالقوة والأمن وطيب العيش، والانتصار على العدو.
نرى أولئك الرجال يؤمنون بالله إيماناً صادقاً، ويصبرون للبلاء يصيبهم في سبيل الحق، ولو اشتدت مرارته، وطال أمده، ويأبون أن يلقوا إلى الضالين أو الفاسقين بالمودة، ويحملون في صدورهم الرحمة والسخاء، وكانوا ينظرون إلى عدوهم بعين الحذر، ويأخذون بأسباب النجاة ما استطاعوا، إلى نحو هذا من الخصال التي هداهم إليها الكتاب الحكيم.
فنقتبس من هذا أن سنة الله في القوم الذين يحتفظون بهذه الخصال أن