للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ}:

الخطاب للمهاجرين، وقد كانوا بأرض مكة في قلة، وكفار قريش يستضعفونهم؛ أي: يجدونهم ضعافاً، فيصيبونهم بالأذى. والتخطف: الأخذ بسرعة، وفيه إيماء إلى شدة ضعفهم، وسهولة أخذهم؛ حيث أخبر أنهم يخافون أن يأخذهم الناس بسرعة، وإنما يؤخذ بسرعة من لم يكن له شيء من القوة يدافع به، ولو إلى حين، والمعنى: اذكروا وقت قلتكم وهوانكم على الناس، وخوفكم من اختطافهم لكم، والتذكير بوقت مضاف إلى شؤون إنما هو تذكير بتلك الشؤون نفسها.

وبعد أن ذكرهم بما كانوا فيه من قلة العدد، واستضعاف كفار قريش لهم، وخوفهم من تخطف الناس لهم، ذكرهم بنعمة إنقاذهم من ذلك الاستضعاف، وتأييدهم بالنصر على عدوهم، فقال تعالى:

{فَآوَاكُمْ}:

أي: جعل لكم مأوى تتحصنون فيه من عدوكم، وهي المدينة المنورة.

{وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ}:

أي: قوى شوكتكم، وهيأ لكم وسائل النصر؛ من نحو: مظاهرة الأوس والخزرج، وإمدادكم بالملائكة في يوم بدر، وإلقاء الرعب في قلوب محاربيكم. وذكر في الآية النعمة التي أنقذهم بها من الاستضعاف والخوف، وهي: الإيواء، والتأييد بالنصر، ولم يذكر ما يقابل قوله تعالى: {إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ}؛ كأن يقال: "فكثر عددكم"؛ لأن تأييدهم بالنصر يشير إلى تكثير عددهم بمن انضم إليهم من الأنصار، أو لأن قلة العدد ليست مكروهة لذاتها، وإنما تكون