يسوسونها على ما توحيه إليهم أهواؤهم، ويعطلون ما استطاعوا أحكام شريعتها، والقعودُ عن الدفاع سبب وقوع الأمة بأجمعها تحت سلطان عدو يذيقها من عذاب الهون ما تؤثر من أجله الموت على الحياة.
ويصح أن تفسر الفتنة في الآية بما تأتي به تلك المعاصي من وبال؛ كولاية الفجار التي يأتي بها إهمال التربية الدينية، وكقهر العدو للأمة الذي يأتي به ترك إعداد القوة، أو القعود عن الدفاع، واتقاءُ الفتنة على هذا الوجه يحصل باتقاء أسبابها.
ولا يشكل علينا عموم الفتنة، وإصابتها للظالمين وغيرهم بقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الأنعام: ١٦٤]، وقوله تعالى:{كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}[المدثر: ٣٨]؛ فإن مورد هاتين الآيتين عقاب الآخرة، ويلحق به عقوبات الجنايات في الدنيا، فهذان العقابان لا يتجاوزان المسيء إلى البريء، وأما الآية التي نحن بصدد تفسيرها {وَاتَّقُوا فِتْنَةً}، فموردها البلاء الدنيوي الذي جرت سنة الله بحلوله عقب تلك المعاصي ذات الآثار المشؤومة. روى البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أنزل الله بقوم عذاباً، أصاب العذاب من كان فيهم، ثم بعثوا على أعمالهم".
أمر باتقاء الفتن التي يمتد لهبها إلى الأبرياء، وكد التحذير منها بوعيد شديد، فقال تعالى:
{وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}:
ففي قوله:{شَدِيدُ الْعِقَابِ} إيذان بأن واضع يده في مثال هذه الفتن يجازيه الله عليها بالعقاب الشديد في الآخرة، وإن أدركه شؤم عاقبتها في الدنيا. قال تعالى: